الاقتصادية: أسباب الأزمات المالية العالمية وسياسات مواجهتها
عدنان الكناني
تكررت الازمات المالية في معظم دول العالم، ماشكل ظاهرة مثيرة للاهتمام، وتعود اسباب ذلك الى ان آثارها السلبية كانت حادة وخطيرة وهددت الاستقرار الاقتصادي والسياسي للدول المعنية، اضافة الى انتشار هذه الاثار وعدوى الازمات المالية لتشمل دولاً اخرى(نامية ومتقدمة) كنتيجة للانفتاح الاقتصادي والمالي الذي تشهده الدول واندماجها في منظومة التجارة العالمية.
وتشير تقارير صندوق النقد الدولي الى ان اكثر من ثلثي الدول الاعضاء في الصندوق تعرضت لازمات مالية واضطرابات مصرفية حادة، ومن الاثار السلبية ايضا للازمات المالية عدم القدرة الكافية على استخدام ادوات السياسة النقدية في التحكم في عرض النقد مايعني فقدان تلك الدول لاداة مهمة من ادوات السياسات الاقتصادية في التعامل مع آثار تلك الازمات والحد من انتشارها عبر القطاعات الاقتصادية خصوصا في مايتعلق بقدرة الدولة على التحكم في التضخم والحفاظ على مستويات اسعار صرف مناسبة.
اولاً: أسباب الازمات المالية
تتعدد وتتنوع اسبابها ونتائجها بحسب ظروف كل دولة، فهناك جملة من الاسباب تتضافر في ان واحد لاحداث ازمة مالية.
ويمكن تلخيص اهم هذه الاسباب في مايلي:
1- عدم استقرار الاقتصاد الكلي: تعتبر التقلبات في شروط التبادل التجاري من احد اهم مصادر الازمات الخارجية، فعندما تنخفض شروط التجارة يصعب على عملاء البنوك المشتغلين بنشاطات ذات العلاقة بالتصدير والاستيراد الوفاء بالتزاماتهم خصوصا خدمة الديون، وتعتبر التقلبات في اسعار الفائدة العالمية احد المصادر الخارجية المسببة للازمات المالية.
فالتغييرات الكبيرة في اسعار الفائدة عالميا لاتؤثر فقط في تكلفة الاقتراض بل الاهم من ذلك انها تؤثر في تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر ودرجة جاذبيتها.
كما تعتبر التقلبات في اسعار الصرف الحقيقية المصدر الثالث من مصادر الاضطرابات على مستوى الاقتصاد الكلي والتي كانت سببا مباشراً او غير مباشر لحدوث العديد من الازمات المالية.
2- اضطرابات القطاع المالي: شكل انهيار اسواق الاوراق المالية والتوسع في منح الائتمان وتدفقات رؤوس الاموال الكبيرة من الخارج القاسم المشترك الذي سبق حدوث الازمات المالية، فلقد شهد القطاع المالي توسعاً كبيراً توافق مع الانفتاح الاقتصادي والتجاري والتحرر المالي غير الوقائي بعد سنوات من الانغلاق وسياسات الكبت المالي بما في ذلك ضغط الاقتراض وصغر حجم ودور القطاع المالي في الاقتصاد، فلقد عانت معظم الدول من عدم التهيئة الكافية للقطاع المالي وضعف واضح في الاطر المؤسسية والقانونية والتنظيمية، فقد أدى التوسع في منح الائتمان الى حدوث ظاهرة تركز الائتمان سواء في نوع معين من القروض، كالقروض الاستهلاكية او العقارية او لقطاع واحد، كالقطاع الحكومي او الصناعي او التجاري ومن الامور التقليدية في جميع الازمات المالية التي شهدتها الدول حصول انتعاش كبير في منح القروض، ولم تقتصر هذه الظاهرة على الدول النامية فحسب، بل شملت كذلك الدول الصناعية مثل فنلندا والنروج والسويد واليابان والولايات المتحدة الاميركية.
أ - عدم التلاؤم بين اصول وخصوم المصارف:
يؤدي التوسع في منح القروض الى ظهور مشكلة عدم التلاؤم والمطابقة بين اصول وخصوم المصارف خصوصا من جانب عدم الاحتفاظ بقدر كاف من السيولة لمواجهة التزاماتها الحاضرة والعاجلة في فترات تكون فيها أسعار الفائدة العالمية مرتفعة واكثر جاذبية من اسعار الفائدة المحلية، او عندما تكون اسعار الفائدة المحلية عالية وسعر الصرف ثابتاً، مايغري المصارف المحلية بالاقتراض من الخارج وقد يتعرض زبائن المصارف كذلك الى عدم التلاؤم بالنسبة للعملة الاجنبية، وعدم التلاؤم ايضا بالنسبة لفترات الاستحقاق.
ب- التحرر المالي غير الوقائي:
ان تحرير السوق المالي المتسارع غير الوقائي بعد فترة كبيرة من الانغلاق والتقييد، قد يؤدي الى حدوث الازمات المالية، فمثلا عند تحرير اسعار الفائدة، فان المصارف المحلية تفقد الحماية التي كانت تتمتع بها في ظل تقييد اسعار الفائدة ويترافق ذلك ايضا مع التوسع في منح الائتمان الذي بدوره يؤدي الى ارتفاع اسعار الفائدة المحلية خصوصا في القروض العقارية او القروض المخصصة للاستثمار في سوق الاوراق المالية.
كذلك فان التحرر المالي يؤدي الى استحداث مخاطر ائتمانية جديدة للمصارف والقطاع المالي، قد لايستطيع العاملون في المصارف تقييمها والتعامل معها بحذر ووقاية، كما ان التحرر المالي يعني دخول مصارف اخرى الى السوق المالية ما يزيد الضغوط التنافسية على المصارف المحلية لاسيما في انشطة ائتمانية غير مهيأة لها وقبول انواع جديدة من المخاطر قد لايتحملها المصرف.
ثانيا: سياسات تجنب الازمات المصرفية
تطرح في الادبيات الاقتصادية والتجارب العملية خاصة من السياسات الهادفة الى تقليل احتمال حدوث الازمات المالية منها:-
- العمل على تقليل الاضطرابات والمخاطر التي يتعرض لها الجهاز المصرفي بخاصة تلك التي تكون تحت التحكم الداخلي للدولة ذلك عن طريق استخدام اسلوب التنويع وشراء تأمين ضد تلك المخاطر والاحتفاظ بجزء اكبر من الاحتياطيات المالية لمواجهة مثل تلك التقلبات، واستخدام سياسات مالية ونقدية متأنية واكثر التزاما باهدافها.
- الاستعداد والتحضير الكافي لحالات الانتكاس في الاسواق المالية والرواج المتزايد في منح الائتمان المصرفي وتوسع الدور المالي للقطاع الخاص، وذلك عن طريق استخدام السياسات المالية والنقدية التي تستطيع ان تتعامل مع تلك المشاكل من جهة وتصميم (نظام رقابة مصرفية) يقوم بتعديل وتقليل درجة التقلبات وتركيز المخاطرة في منح الائتمان من جهة اخرى.
- التقليل من حالات عدم التلاؤم والمطابقة في السيولة مع التزامات المصرف الحاضر.. والمطلوب هو آلية تنظيم العمليات المصرفية في هذا المجال، خصوصا في الاسواق الناشئة وقد يكون ذلك عن طريق قرض احتياطي قانوني عال خلال الفترات العادية، ويمكن تقليله في حالات احتياج المصرف للسيولة في حالات الازمات.
والاستعداد ايضا لمواجهة الازمات من خلال الاحتفاظ باحتياطات كافية من النقد الاجنبي.
- الاستعداد الجيد والتهيئة الكاملة قبل تحرير السوق المالية، كما يفترض العمل على تطوير وتعديل الاطر القانونية والمؤسسية والتنظيمية للقطاع المصرفي.
- تقوية وتدعيم النظام المحاسبي والقانوني وزيادة الشفافية والافصاح عن نسبة الديون المعدومة من جملة اصول المصرف والقطاع المصرفي والمالي.
- تحسين نظام الحوافز لملاك المصارف واداراتها العليا بما يخدم ويعزز نشاطات المصارف بحيث يتحمل كل طرف نتائج قراراته على سلامة اصول واعمال المصرف.
- منع وعزل اثار سياسة سعر الصرف المعمول بها من التأثير السلبي في اعمال المصرف او التهديد باحداث ازمة في القطاع المصرفي.
- اعطاء استقلالية اكبر للمصارف المركزية، بمعنى منع التدخل الحكومي عند قيام المصرف المركزي باداء وظيفته الاساسية وهي تنفيذ السياسة النقدية، بحيث تقوم تلك الاخيرة على اساس اقتصادي ولاتتدخل اغراض السياسة المالية فيها.
-زيادة التنافس في السوق المالية وذلك عن طريق فتح المجال لمصارف جديدة سواء محلية او اجنبية والحد من انتشار احتكار القلة.
- رفع الحد الاقصى لرأس المال المدفوع والمصرح به حتى تستطيع المصارف تلبية التزاماتها الحادة والمستقبلية في عالم تتسم فيه عمليات انتقال رؤوس الاموال بسرعة فائقة.
- الرقابة الوقائية واستخدام طرائق افضل من مراقبة وتتبع اعمال المصارف التجارية من منظور السلامة والامن للأصول المصرفية وزيادة المقدرة على التنبؤ بالكوارث والازمات المصرفية قبل حدوثها، وبالتالي الحد من اثارها السلبية على الجهاز المصرفي حتى تستطيع السلطات النقدية الوقاية منها، ومنع انتقالها الى بنوك اخرى.
ان تلك الاسباب واسباب الوقاية منها لاتعني بالضرورة عدم مسؤولية النظام الاقتصادي العالمي القائم الذي كان نتاجا لسقوط الانظمة الاشتراكية- وجشع النيوليبرالية بأبشع صورها، الامر الذي يستوجب بحثا اخراً يطول شرحه، ويتعلق بشكل اساسي بازمة الرأسمالية والعولمة وفي المقابل عدم قدرة النظام الاقتصادي الاشتراكي على انتاج آليات جديدة تعيد بريقه قبل انهياره، وربما تشكل الازمة المالية الحالية، فرصة سانحة لمناهضي العولمة وادواتها لاثبات ما يعتقدونه فهل يصح القول: يا مناهضي الرأسمالية اتحدوا؟ انها فرصة لاثبات الذات لا مجرد تسجيل موقف!.